الإنسان كائن عجيب من حيث الخلقة والقدرة، فقد خلقه الله عزوجل مزدوج الطبيعة، فيه عنصر مادي طيني، وعنصر روحي سماوي، يقول الله تعالى: (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ونتيجة لتركيبة الإنسان الممزوجة من عنصري الطين والروح، فإن عنصر الطين يشده إلى الأرض، وما ترمز إليه من شهوات وملذات وغرائز، وهو بحاجة إلى إشباع غرائزه وشهواته من مأكل ومشرب وملس ومسكن ومنكح .. في حين أن عنصر الروح يدفعه نحو إشباع ميوله ورغباته الروحية والمعنوية، كما يدفعه كذلك إلى الرقي في مدارج السمو الروحي، والتحليق في سماء المثل والقيم.
وقد زود الإنسان بالغرائز المادية التي تدفعه وتحثه على القيام بعمارة الأرض، وتكثير الجنس البشري، وإدارة الحياة. ولولا هذه الغرائز لانعدم التقدم والتطور والتحضر، ولا نقرض الجنس البشري منذ قديم الزمان كما انقرضت الديناصورات منذ ملايين السنين. كما زود الإنسان بالميول والرغبات والغرائز الروحية والمعنوية كي يقوم بعبادة الله عزوجل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ولولا ذلك لما عبد الإنسان الله عزوجل، ولما شعر بالحاجة إليه، ولما
ذوق لذة محبته
ومن الضروري خلق التوازن بين الجسم والروح، كي لا يطغى جانب على حساب آخر، إذ لو طغى الجانب المادي (الطيني) في الإنسان على الجانب الروحي فإن ذلك يهبط به إلى مستوى البهائم أو أضل سبيلاً. ولو طغى الجانب الروحي على الجانب المادي فإن ذلك سيؤدي به إلى الرهبنة والتصوف والانعزال عن الحياة، ومن ثم ترك القيام بمسؤولية عمارة الأرض، وبناء الحضارة وإدارة الحياة، وبالخصوص لجيل الشباب. فلا تطغى قبضة الطين على نفخة الروح، ولا نفخة الروح على قبضة الطين، فالله عزوجل خلق الإنسان مزيجاً منهماً، ويريد منه أن يعيش كذلك!
والشباب حيث القوة والعنفوان والشعور بالعجب والاقتدار أحوج ما يكونون للتوازن الدقيق بين متطلبات الجسم ولوازم الروح، ولأن النفس أميل بطبيعتها إلى الانشداد إلى غرائزها وشهواتها المادية، فإن الشباب بحاجة قوية إلى مجاهدة النفس، وممارسة الرياضة الروحية، وترويض الذات على سلوك طريق الحق والهدى والصلاح.
وجيل الشباب حيث يعيش صراعاً قوياً ومحتدماً ويومياً بين شهواته ورغباته المادية من جانب، وميوله ورغباته الروحية والمعنوية من جانب آخر، يقع في امتحان عسير، فإن قدّم شهواته على مبادئه فإن قدّم شهواته على مبادئه وقيمه ومُثُله، فإنه بذلك يكون قد اتخذ إلهه هواه، وأما أن ينتصر لمبادئه وقيمه ومُثُله الدينية، وعندئذ يكون قد اجتاز الامتحان بنجاح!
والإسلام لا يمانع من إشباع الغرائز المادية ولكن يجب أن يكون ذلك بالحلال، وبوسائل مشروعة، وضمن حدود وضوابط الشرع، وإلا فلا يمكن للإنسان أن يتجاوز ويتجاهل حاجاته المادية من أكل وشرب وجنس و مال.. وليس من الصحيح أن يكون الإنسان منعزلاً عن الجانب المادي في كيانه، وإنما نتحدث هنا عن الانسياق وراء الشهوات، والانغماس في الملذات بطرق غير مشروعة ومن دون حدود ولا قيود ... فهذا هو الممنوع والمحرم.